مقاومة الشيخ بوعمامة
مقاومة الشيخ بوعمامة.(1881-1908)، انطلقت الثورة من عين الصفراء في 23 أفريل 1881 مستغلة انشغال فرنسا بإحتلال تونس واتسعت إلى عين صالح والهقار ووهران، وانتهت الثورة رسميا في 1904. فهي أطول ثورة شعبية ولكنها أقل تأثيرا قياسا بالثورات الأخرى.
سيرة الشيخ بوعمامة
هو محمد بن العربي بن إبراهيم الملقب بالشيخ بوعمامة ,وهي التسمية التي لازمته طول حياته ,لكونه كان يضع عمامة على رأسه شأنه في ذلك شأن كل العرب . ينتمي عائليا إلى أولاد سيدي التاج الابن الثالث عشر لجد الأسرة الأول من زوجته الفقيقية ,وما عرف عنه أنه سليل فرع أولاد سيدي الشيخ الغرابة .ولد بوعمامة على الأرجح مابين 1838و1840 بقصر الحمام الفوقاني في منطقة فقيق المغربية ,وفي هذه الفترة الصعبة من تاريخ الجزائر أجبرت عائلته على الهجرة ومغادرة الأرض والاستقرار في الأراضي المغربية ,وواكب ذلك إبرام معاهدة لالة مغنية عام1845 بين السلطات الاستعمارية الفرنسية و السلطان المغربي عبد الرحمن .أبوه هو الشيخ العربي بن الحرمة الذي كان يزاول مهنة بيع البرانس و الحلي مابين منطقة فقيق و المقرار التحتانبي وقد وافته المنية في هذه المنطقة عام 1879 . ينتمي الشيخ بوعمامة عقائديا إلى الطريقة الطيبية التي حلت من المغرب الأقصى, وعن طريق الحدود وصلت إلى الغرب الجزائري حيث انتشرت انتشارا واسعا ,كماأن انتماءه إلى الطريقة الطيبية لم يمنعه من التأثر بالطريقة السنوسية كذلك ومرد ذلك القرابة التي كانت بين الطريقة السنوسية وبين أولاد سيدي الشيخ ,على اعتبار أن هذه الطريقة كان منبعها الغرب الجزائري .
استطاع الشيخ بوعمامة تأسيس زاوية له في منطقة المقرار التحتاني مما زاد في شعبيته وكثر بذلك أتباعه ومريدوه في العديد من المناطق الصحراوية . دامت مقاومة الشيخ بوعمامة أكثر من ثلاثة وعشرين عاما,حتى أطلق عليه لقب الأمير عبد القادر الثاني ,وقد اشتهر بقدرته الفائقة في مواجهة قوات الاحتلال التي لم تنجح في القضاء عليه رغم محاولاتها سياسيا وعسكريا ,إلىأن وافته المنية في 17 أكتوبر 1908 .
الأوضاع الممهدة لمقاومة الشيخ بوعمامة
عانى الجنوب الوهراني على غرار المناطق الجزائرية الأخرى ويلات الاستعمار الفرنسي من خلال سياسته الجهنمية المبنية على ضرب الصف الواحد معتمد في ذلك على الدور الكبير للمكاتب العربية التي نجحت بدورها في خلق البلبلة وإثارة أحقاد القبائل فيما بينها حتى يستتب لها الأمر, كما أنها استطاعت أن تتغلغل بين العائلات الكبيرة لخلق الفتن وهذا ما حدث بين فرع الغرابة الذي ينتمي إليه الشيخ بوعمامة و فرع الشراقة أبناء عمومته إلا أن الشيخ بوعمامة أدرك نوايا الاستعمار الفرنسي ,فأعلن الجهاد لتخليص البلاد والعباد من براثن الاحتلال الفرنسي وقداستمر جهاده إلى غاية عام 1908 .
إن المتتبع لتاريخ منطقة الجنوب الوهراني منذ مقاومة أولاد سيدي الشيخ يجد أن المنطقة كانت تعيش إستقلالية في تسييرها لشؤونها الداخلية ومرد ذلك هو التمركز الضئيل جدا للمستوطنين في المنطقة ,وحتى الجيش الفرنسي لم يكن يملك إلا مركزا واحدا في لبيض سيدي الشيخ فرع الشراقة , لكنه استطاع بعد معارك ضارية خاضتها ضده عائلة أولاد سيدي الشيخ من تشتيت هذه العائلة , فمن أفرادها من اضطر مكرها إلى الهجرة إلى المغرب الأقصى ,ومنهم من نزح إلى ضواحي الجنوب الأقصى وتمركز في منطقة المنيعة . و الملفت للانتباه أن عزوف سكان المنطقة عن المقاومة التي كانوا قد أعلنوها عام 1864لم يدم طويلا ,حيث ظهر على مسرح الأحداث فرع أولاد سيدي الشيخ الغرابة من خلال الصمود الذي أثبته الشيخ سي معمر بن الشيخ الطيب رئيس فرع الغرابة في مقارعته للعدو الفرنسي في المنطقة بداية من شهر أفريل 1873 , لكن هذا الأخير اضطر إلى الانسحاب ووضعه تحت الإقامة الجبرية , ولكن ما أن انتهت فترة 1878 -1880 حتى ظهرت شخصية مجاهدة أخرى من نفس الفرع وهي الشيخ بوعمامة الذي حمل لواء الجهاد ضد الاستعمار الفرنسي ووقف في وجه التوسع في المناطق الصحراوية
أسباب مقاومة الشيخ بوعمامة
كفي القول بأن رفض الشعب الجزائري للاحتلال الفرنسي يعد من أهم العوامل التي دفعت بالشيخ بوعمامة إلى الإعداد والتنظيم للعمل الثوري ضد العدو بالجنوب الوهراني ومما لاشك فيه أن هناك جملة من الأسباب ساهمت بشكل كبير في التعجيل بإشعال الثورة ومن أهمها مايلي:
الأسباب المباشرة:
يعتبر مقتل الضابط الفرنسي واين برونر وهو برتبة ملازم أول وكان يشغل رئيس المكتب العربي لمنطقة البيض وذلك في 22أفريل 1881 ,مع أربعة من حراسه من فرسان الصبايحية عندما حاول جاهدا إيقاف نشاط الشيخ بوعمامة السبب المباشر في اندلاع المواجهة بين الشيخ بوعمامة والإدارة الاستعمارية الفرنسية .
الأسباب غير المباشرة :
لقد تأثر الشيخ بوعمامة بفكرة الجهاد ضد الصليبيين الغزاة المحتلين لكونه رجل دين وصاحب زاوية , هذا إلى جانب الأفكار الإصلاحية التي وصلت إلى المناطق المجاورة وأثرت تأثيرا مباشرا على الشيخ , وكان من أبرزها دعوة جمال الدين الأفغاني و السلطان عبد الحميد الثاني إلى بناء تحالف إسلامي في إ طار الخلافة الاسلامية كأساس لتغيير أوضاع المسلمين وطرد المستعمرين و هي الأفكار التي وصلت إلى المغرب العربي كذلك عن طريق الوافدين من المشرق العربي ,يضاف إلى هذا كله دور دعاة الطريقة السنوسية في إثارة سكان المناطق الصحراوية ضد تغلغل الاستعمار ومواجهته وقد كان لهذا الدور مفعوله على نفسية الشيخ بوعمامة ,وهي عوامل كافية ليقوم الشيخ بوعمامة بحركته الجهادية ضد الإستعمار الفرنسي في منطقته.
السبب الإقتصادي:
إن تردي الأوضاع الإقتصادية في منطقة الجنوب الوهراني في تفجير الأوضاع واندلاع الثورة , خاصة بعد انتشار المجاعة التي أهلكت سكان المنطقة وفقدوا جرائها كل ممتلكاتهم ناهيك عن الغبن الذي تسببت فيه السياسة الجائرة للإدارة الاستعمارية ,ومنها منع بعض القبائل من التنقل ما بين 1879 و1881,خاصة قبائل آفلو والبيض و قبائل جبال القصور الرحالة وقد تولد عن ذلك نوع من التذمر و الاستياء الشديدين ,وقد نجم عن .موت أعداد كبيرة من المواشي وقد وصلت نسبة الخسائر التي لحقت بمنطقة آفلو وحدها بثلاثمائة رأس أي 80/. منهانسبة 37/. في سنة 1879-1880 و نسبة 43/. سنة 1880-1881 . وكذلك عزم السلطات الفرنسية على إقامة مركز عسكري للمراقبة في قصر تيوت ,بعد فشل البعثة الرسمية لدراسة مشروع مد الخط الحديدي عبر الصحراء في الجنوب الغربي لإقليم وهران عام 1879
مراحل المقاومة
المرحلة الأولى
لم يعلن الشيخ بوعمامة الثورة على الاستعمار الفرنسي بمنطقة الجنوب الوهرابي إلا بعد أن هيأ جميع القبائل الصحراوية عن طريق مريدي الطريقة الشيخية المنتشرين عبر كل المنطقة, ومنها قبائل الطرافي و رزاينة والأحرار و فرندة و تيارت ,وقد وجدت هذه الدعوة صداها لدى قبائل عمور و حميان و الشعامبة ,وقد استطاع الشيخ بوعمامة في وقت قصير أن يجمع حوالي ألفان وثلاثمائة جندي بين فرسان و مشاة .لقد وقعت أول مواجهة عسكرية بين الشيخ بوعمامة و القوات الفرنسية في 27 أفريل 1881 بالمكان المسمى سفيسيفة جنوب عين الصفراء ,أسفرت عن انهزام الجيش الفرنسي واستشهاد بعض رجال الشيخ بوعمامة منهم وقائد المعاليف قائد الرزاينة.وأمام خطورة الوضع سارعت السلطات الاستعمارية إلى إرسال قوات إضافية إلى المنطقة لقمع الثورة والقضاء عليها وتمثل المدد الذي وصل إلى المنطقة فيما يلي: - ثلاث فيالق من المشاة تحت قيادة العقيد إينوسانتي . - فرقتين يقودهما القايد قدور ولد عدة . - فرقة تيارت يقودها الحاج قدور الصحراوي. - قافلة من ألفين وخمسمائة جمل ومعها ستمائة جزائري . - قائد الشعبة العسكرية لمعسكر الجنرال كولينو دانسي هو الذي تولى القيادة العامة لهذه القوة العسكرية. أما المواجهة العسكرية الثانية بين الطرفين الجزائري والفرنسي كانت في 19 ماي 1881 بالمكان المسمى المويلك وتقع قرب قصور الشلالة بجبال القصور ,وكانت معارك عنيفة جدا اشتد فيها القتال بين الطرفين وكان النصر فيها حليف الشيخ بوعمامة رغم تفوق العدو في العتاد والعدة .وحسب تقارير الفرنسيين أنفسهم فإن هذه المعركة خلفت خسائر لكلا الطرفين ,وقد قدرت خسائر الفرنسيين فيها ستون قتيل واثنان وعشرون جريحا.وبعد هذه المعركة ظل الشيخ بوعمامة سيد الموقف ,حيث توجه إلى الأبيض سيدي الشيخ مما ساعد الثوار في هذه الفترة على قطع خطوط التلغراف الرابط بين فرندة والبيض ومهاجمة مراكز الشركة الفرنسية الجزائرية للحلفاء,وقد قتل العديد من عمالها الإسبان مما دفع بالسلطات الفرنسية إلى اتخاذ اجراءات لحماية مصالحها منها تجميع أربعة طوابير قويةفي النقاط التالية: - فرقة راس الماء أسندت مهمتها إلى العقيد جانين. - فرقة بخيثر بقيادة العقيد زويني . - فرقة تيارت وأسندت مهمتها إلى العقيد برونوسيار. - فرقة البيض وكانت بقيادة العقيد تاديو ثم العقيد نيغريي. ولمواجهة انتصارات الشيخ بوعمامة المتتالية قامت السلطات الفرنسية بتحركات سريعة تمثلت في إرسال قواتها نحو الجنوب الغربي من أجل تطويق الثورة والقضاء عليها وبالتالي تتوسع في المنطقة وتبسط نفوذها على كل قصور الجنوب الوهراني. لقد تم تكليف العقيد نيغريي بمهمة معاقبة القبائل التي شاركت مع الشيخ بوعمامة في الثورة وكانت البداية بنسف زاوية سيدي الشيخ الكبير المتواجدة بالبيض سيدي الشيخ,تلتها المجازر الرهيبة التي قام بها جيش الاحتلال في حق السكان العزل من أهالي الطرافي والربوات بمنطقة البيض انتقاما لمشاركتهم في الثورة ,ونفس الجرائم ارتكبت ضد سكان الشلالة الظهرانية ,و في الأبيض سيدي الشيخ ارتكبت أعمال شنيعة على يد السفاح نيغريي في 15أوت 1881 الذي قام بتفجير قبة سيدي الشيخ ونبش قبره وهو استهزاء بالجوانب الروحية للشعب الجزائري وعاداته وتقاليده.ومابين سبتمبر وأكتوبر عام1881 تعرضت القوات الفرنسية بقيادة كل من الجنرال كولونيو والجنرال لويس إلى هجومات المجاهدين قرب عين الصفراء نتج عنها سقوط العديد من القتلى والجرحى بين الطرفين ,كذلك قام السفاح لويس بتحطيم القصرين اللذين كان يمتلكهما الشيخ بوعمامة وهما قصر مغرار الفوقاني وقصر مغرار التحتاني,كما دمرت زاوية الشيخ بوعمامة أيضا وقتل العديد من السكان العزل. ومن التطورات الهامة التي حصلت خلال هذه الفترة كذلك هو التحاق الشيخ سي سليمان بن حمزة زعيم أولاد سيدي الشيخ الغرابة إلى ثورة بوعمامة على رأس ثلاثمائة فارس ,واتجه مع قوته إلى جنوب غرب عين الصفراء ومنها إلى منطقة البكاكرة للضغط على القبائل الموالية للاستعمار الفرنسي. أمام تزايد القوات الاستعمارية وتوافد الدعم لها من كل منطقة ازداد الضغط علىالشيخ بوعمامة فاضطر إلى الانسحاب متجها إلى منطقة فقيق بالمغرب الأقصى ,حيث قل نشاطه وتفرق أتباعه وأنصاره ,وقد انضم البعض منهم إلى السي قدور بن حمزة زعيم أولاد سيدي الشيخ الشراقة ,أما البعض الآخر فقد انضم إلى صفوف الشيخ سي سليمان بن حمزة قائد أولاد سيدي الشيخ الغرابة ,وباقي المجاهدين فقد مكثوا بمنطقة فقيق وضواحيها. وفي 16 أفريل 1882 لاحقت قوات الاحتلال الشيخ بوعمامة في الأراضي المغربية ,لكنه رد عليها بهجوم عنيف في شط تيغري كبد العدو خسائر فادحة في الأرواح وأجبره على الانسحاب .لقد كان لهذه الهزيمة وقع كبير في الأوساط العسكرية الفرنسية ,وزادت من جهة أخرى الثورة صمودا وتحديا وأثبتت تفوقها مرة أخرى على القوات الفرنسية .
المرحلة الثانية:
عرفت مقاومة الشيخ بوعمامة خلال هذه المرحلة فتورا ملحوظا بعد استقرار في مسقط رأسه الحمام الفوقاني بفقيق التي وصلها في جويلية 1883, حتى يتمكن من تنظيم صفوفه للمستقبل ,وهذا ماجعل السلطات الاستعمارية تتخوف من تحركاته الكثيفة لذا سارعت في إرسال برقية موقعة من طرف الجنرال سوسيي قائد الفيلق التاسع عشر إلى حكومته في باريس يدعوها إلى الضغط على السلطان المغربي لطرد الشيخ بوعمامة من الأراضي المغربية لأنه يشكل خطرا على المصالح الفرنسية في المنطقة .هذا التحرك دفع الشيخ بوعمامة إلى مغادرة المنطقة ,ولجوئه إلى إقليم توات واحتمى بسكان واحة دلدول مع نهاية عام1883 ,واستقر هناك إلى غاية عام 1894 حيث أسس زاوية له وشرع في تنظيم الدروس الدينية لمواصلة الجهاد ووقف زحف التوسع الاستعماري في الجنوب الغربي ,حيث قام بمراسلة مختلف شيوخ القبائل الصحراوية لإعلان الجهاد ضد الكفار ومقاومتهم .كماكان لهذا النشاط صدى واسعا بين القبائل الصحراوية ,خاصة قبائل التوارق الذين اقترحوا عليه الانتقال إليهم ليتعاونوا في الجهاد ضد العدو الفرنسي ,كما آزرته وانضمت إليه بعض القبائل المقيمة على الحدود الجزائرية- المغربية .لقد حاول الاستعمار الفرنسي خنق الثورة من كل الجهات وبكل الوسائل والتوسع في الجنوب وذلك عن طريق إقامة المؤسسات الاقتصادية وإنشاء المراكز التجارية في كل من إقليم توات وتاديكالت .
المرحلة الثالثة:
تعتبر هذه المرحلة بداية النهاية ,ففي خضم هذه الأحداث استطاع الشيخ بوعمامة أن يكسب العديد من الأنصار ويحضى بثقة سكان المناطق الصحراوية ,وهذا ما جعل السلطات الاستعمارية تفكر في استمالته بكل الوسائل فقامت بالاتصال عن طريق المفوضية الفرنسية بمدينة طنجة المغربية عام 1892 للتفاوض حول قضية الأمان التي انتهت بدون نتيجة . إن الصلات الودية والطيبة التي كانت بين الشيخ بوعمامة والسلطات المغربية أثارت قلق وتخوف السلطات الاستعمارية الفرنسية ,خاصة بعد الاعتراف به زعيما لقبائل أولاد سيدي الشيخ ومشرفا على كل المناطق الصحراوية مما دفعها مرة أخرى إلى محاولة كسب وده لتسهيل مهمتها في التوسع وبسط نفوذها على المناطق الصحراوية ,لذلك قرر الوالي العام لافريار في 16 أكتوبر 1899 منح الشيخ بوعمامة الأمان التام دون قيد أو شرط.ومع مطلع القرن العشرين دخل الشيخ بوعمامة المغرب الأقصى واستقر في منطقة وجدة , الأمر الذي جعل السلطات الفرنسية في الجزائر تتنفس الصعداء بتخلصها من أحد أشد أعدائها مقاومة .إن السنوات التي خاضها الشيخ بوعمامة في الجهاد عرقلت بشكل كبير التوسع الاستعماري في أقصى الصحراء خاصة الناحية الغربية منها ,رغم الحصار الكبير الذي حاولت السلطات الاستعمارية فرضه على المقاومة بقيادة الجنرال ليوتي .
المرحلة الثانية:
عرفت مقاومة الشيخ بوعمامة خلال هذه المرحلة فتورا ملحوظا بعد استقرار في مسقط رأسه الحمام الفوقاني بفقيق التي وصلها في جويلية 1883, حتى يتمكن من تنظيم صفوفه للمستقبل ,وهذا ماجعل السلطات الاستعمارية تتخوف من تحركاته الكثيفة لذا سارعت في إرسال برقية موقعة من طرف الجنرال سوسيي قائد الفيلق التاسع عشر إلى حكومته في باريس يدعوها إلى الضغط على السلطان المغربي لطرد الشيخ بوعمامة من الأراضي المغربية لأنه يشكل خطرا على المصالح الفرنسية في المنطقة .هذا التحرك دفع الشيخ بوعمامة إلى مغادرة المنطقة ,ولجوئه إلى إقليم توات واحتمى بسكان واحة دلدول مع نهاية عام1883 ,واستقر هناك إلى غاية عام 1894 حيث أسس زاوية له وشرع في تنظيم الدروس الدينية لمواصلة الجهاد ووقف زحف التوسع الاستعماري في الجنوب الغربي ,حيث قام بمراسلة مختلف شيوخ القبائل الصحراوية لإعلان الجهاد ضد الكفار ومقاومتهم .كماكان لهذا النشاط صدى واسعا بين القبائل الصحراوية ,خاصة قبائل التوارق الذين اقترحوا عليه الانتقال إليهم ليتعاونوا في الجهاد ضد العدو الفرنسي ,كما آزرته وانضمت إليه بعض القبائل المقيمة على الحدود الجزائرية- المغربية .لقد حاول الاستعمار الفرنسي خنق الثورة من كل الجهات وبكل الوسائل والتوسع في الجنوب وذلك عن طريق إقامة المؤسسات الاقتصادية وإنشاء المراكز التجارية في كل من إقليم توات وتاديكالت .
نتائج مقاومة الشيخ بوعمامة :
تمثلت هذه النتائج فيما يلي:
1- كانت ثورة الشيخ بوعمامة تحديا كبيرا لسياسة الجمهورية الثالثة ,والتي كانت ترمي إلى إتمام عمليات الاحتلال الشامل للجزائر ,واستطاعت أن تعطل وتعرقل المشاريع الفرنسية في الجنوب الغربي.
2- تمثل ثورة الشيخ بوعمامة المرحلة النهائية من استراتيجية الزعامات الوطنية في مواجهة الاستعمار الفرنسي عن طريق المقاومات الشعبية التي تعتمد أساسا على العامل الديني في تعبئة الجزائريين لمقاومة الاحتلال.
3- تعتبر ثورة الشيخ بوعمامة من أعنف المقاومات الشعبية خلال القرن التاسع عشر بعد مقاومة الأمير عبد القادر.
4- كشفت ثورة بوعمامة ضعف الفرنسيين في مواجهة المقاومة مما جعلها تبحث عن الحلول السياسية لإخماد نار الثورة خصوصا مع المرحلة الثانية 1883 -1892 حين ظهرت قضية الأمان الذي كانت تبحث عنه السلطات الفرنسية من بوعمامة الذي رفضه من خلال المراسلات و المفاوضات التي كانت تسعى إليها فرنسا.
5- الخسائر البشرية والمادية هي الأخرى كانت من أبرز النتائج التي تمخضت عن الثورة
6- عجلت الثورة بإتمام مشاريع السكك الحديدية في المنطقة وربط الشمال بالجنوب.
7- إن مقاومة الشيخ بوعمامة حتى وإن لم تحقق أهدافها في طرد الاستعمار من المنطقة بسبب العقبات التي اعترضتها منها على وجه التحديد عدم التمكن من توحيد فرعي أولاد سيدي الشيخ وكذلك ضغوط السلطان المغربي عبد العزيز على الثورة وحصرها في الحدود ,إلا أنها أثبتت قدرتها على المقاومة وطول النفس وعرقلة التوسع في المنطقة .
سيرة الشيخ بوعمامة
هو محمد بن العربي بن إبراهيم الملقب بالشيخ بوعمامة ,وهي التسمية التي لازمته طول حياته ,لكونه كان يضع عمامة على رأسه شأنه في ذلك شأن كل العرب . ينتمي عائليا إلى أولاد سيدي التاج الابن الثالث عشر لجد الأسرة الأول من زوجته الفقيقية ,وما عرف عنه أنه سليل فرع أولاد سيدي الشيخ الغرابة .ولد بوعمامة على الأرجح مابين 1838و1840 بقصر الحمام الفوقاني في منطقة فقيق المغربية ,وفي هذه الفترة الصعبة من تاريخ الجزائر أجبرت عائلته على الهجرة ومغادرة الأرض والاستقرار في الأراضي المغربية ,وواكب ذلك إبرام معاهدة لالة مغنية عام1845 بين السلطات الاستعمارية الفرنسية و السلطان المغربي عبد الرحمن .أبوه هو الشيخ العربي بن الحرمة الذي كان يزاول مهنة بيع البرانس و الحلي مابين منطقة فقيق و المقرار التحتانبي وقد وافته المنية في هذه المنطقة عام 1879 . ينتمي الشيخ بوعمامة عقائديا إلى الطريقة الطيبية التي حلت من المغرب الأقصى, وعن طريق الحدود وصلت إلى الغرب الجزائري حيث انتشرت انتشارا واسعا ,كماأن انتماءه إلى الطريقة الطيبية لم يمنعه من التأثر بالطريقة السنوسية كذلك ومرد ذلك القرابة التي كانت بين الطريقة السنوسية وبين أولاد سيدي الشيخ ,على اعتبار أن هذه الطريقة كان منبعها الغرب الجزائري .
استطاع الشيخ بوعمامة تأسيس زاوية له في منطقة المقرار التحتاني مما زاد في شعبيته وكثر بذلك أتباعه ومريدوه في العديد من المناطق الصحراوية . دامت مقاومة الشيخ بوعمامة أكثر من ثلاثة وعشرين عاما,حتى أطلق عليه لقب الأمير عبد القادر الثاني ,وقد اشتهر بقدرته الفائقة في مواجهة قوات الاحتلال التي لم تنجح في القضاء عليه رغم محاولاتها سياسيا وعسكريا ,إلىأن وافته المنية في 17 أكتوبر 1908 .
الأوضاع الممهدة لمقاومة الشيخ بوعمامة
عانى الجنوب الوهراني على غرار المناطق الجزائرية الأخرى ويلات الاستعمار الفرنسي من خلال سياسته الجهنمية المبنية على ضرب الصف الواحد معتمد في ذلك على الدور الكبير للمكاتب العربية التي نجحت بدورها في خلق البلبلة وإثارة أحقاد القبائل فيما بينها حتى يستتب لها الأمر, كما أنها استطاعت أن تتغلغل بين العائلات الكبيرة لخلق الفتن وهذا ما حدث بين فرع الغرابة الذي ينتمي إليه الشيخ بوعمامة و فرع الشراقة أبناء عمومته إلا أن الشيخ بوعمامة أدرك نوايا الاستعمار الفرنسي ,فأعلن الجهاد لتخليص البلاد والعباد من براثن الاحتلال الفرنسي وقداستمر جهاده إلى غاية عام 1908 .
إن المتتبع لتاريخ منطقة الجنوب الوهراني منذ مقاومة أولاد سيدي الشيخ يجد أن المنطقة كانت تعيش إستقلالية في تسييرها لشؤونها الداخلية ومرد ذلك هو التمركز الضئيل جدا للمستوطنين في المنطقة ,وحتى الجيش الفرنسي لم يكن يملك إلا مركزا واحدا في لبيض سيدي الشيخ فرع الشراقة , لكنه استطاع بعد معارك ضارية خاضتها ضده عائلة أولاد سيدي الشيخ من تشتيت هذه العائلة , فمن أفرادها من اضطر مكرها إلى الهجرة إلى المغرب الأقصى ,ومنهم من نزح إلى ضواحي الجنوب الأقصى وتمركز في منطقة المنيعة . و الملفت للانتباه أن عزوف سكان المنطقة عن المقاومة التي كانوا قد أعلنوها عام 1864لم يدم طويلا ,حيث ظهر على مسرح الأحداث فرع أولاد سيدي الشيخ الغرابة من خلال الصمود الذي أثبته الشيخ سي معمر بن الشيخ الطيب رئيس فرع الغرابة في مقارعته للعدو الفرنسي في المنطقة بداية من شهر أفريل 1873 , لكن هذا الأخير اضطر إلى الانسحاب ووضعه تحت الإقامة الجبرية , ولكن ما أن انتهت فترة 1878 -1880 حتى ظهرت شخصية مجاهدة أخرى من نفس الفرع وهي الشيخ بوعمامة الذي حمل لواء الجهاد ضد الاستعمار الفرنسي ووقف في وجه التوسع في المناطق الصحراوية
أسباب مقاومة الشيخ بوعمامة
كفي القول بأن رفض الشعب الجزائري للاحتلال الفرنسي يعد من أهم العوامل التي دفعت بالشيخ بوعمامة إلى الإعداد والتنظيم للعمل الثوري ضد العدو بالجنوب الوهراني ومما لاشك فيه أن هناك جملة من الأسباب ساهمت بشكل كبير في التعجيل بإشعال الثورة ومن أهمها مايلي:
الأسباب المباشرة:
يعتبر مقتل الضابط الفرنسي واين برونر وهو برتبة ملازم أول وكان يشغل رئيس المكتب العربي لمنطقة البيض وذلك في 22أفريل 1881 ,مع أربعة من حراسه من فرسان الصبايحية عندما حاول جاهدا إيقاف نشاط الشيخ بوعمامة السبب المباشر في اندلاع المواجهة بين الشيخ بوعمامة والإدارة الاستعمارية الفرنسية .
الأسباب غير المباشرة :
لقد تأثر الشيخ بوعمامة بفكرة الجهاد ضد الصليبيين الغزاة المحتلين لكونه رجل دين وصاحب زاوية , هذا إلى جانب الأفكار الإصلاحية التي وصلت إلى المناطق المجاورة وأثرت تأثيرا مباشرا على الشيخ , وكان من أبرزها دعوة جمال الدين الأفغاني و السلطان عبد الحميد الثاني إلى بناء تحالف إسلامي في إ طار الخلافة الاسلامية كأساس لتغيير أوضاع المسلمين وطرد المستعمرين و هي الأفكار التي وصلت إلى المغرب العربي كذلك عن طريق الوافدين من المشرق العربي ,يضاف إلى هذا كله دور دعاة الطريقة السنوسية في إثارة سكان المناطق الصحراوية ضد تغلغل الاستعمار ومواجهته وقد كان لهذا الدور مفعوله على نفسية الشيخ بوعمامة ,وهي عوامل كافية ليقوم الشيخ بوعمامة بحركته الجهادية ضد الإستعمار الفرنسي في منطقته.
السبب الإقتصادي:
إن تردي الأوضاع الإقتصادية في منطقة الجنوب الوهراني في تفجير الأوضاع واندلاع الثورة , خاصة بعد انتشار المجاعة التي أهلكت سكان المنطقة وفقدوا جرائها كل ممتلكاتهم ناهيك عن الغبن الذي تسببت فيه السياسة الجائرة للإدارة الاستعمارية ,ومنها منع بعض القبائل من التنقل ما بين 1879 و1881,خاصة قبائل آفلو والبيض و قبائل جبال القصور الرحالة وقد تولد عن ذلك نوع من التذمر و الاستياء الشديدين ,وقد نجم عن .موت أعداد كبيرة من المواشي وقد وصلت نسبة الخسائر التي لحقت بمنطقة آفلو وحدها بثلاثمائة رأس أي 80/. منهانسبة 37/. في سنة 1879-1880 و نسبة 43/. سنة 1880-1881 . وكذلك عزم السلطات الفرنسية على إقامة مركز عسكري للمراقبة في قصر تيوت ,بعد فشل البعثة الرسمية لدراسة مشروع مد الخط الحديدي عبر الصحراء في الجنوب الغربي لإقليم وهران عام 1879
مراحل المقاومة
المرحلة الأولى
لم يعلن الشيخ بوعمامة الثورة على الاستعمار الفرنسي بمنطقة الجنوب الوهرابي إلا بعد أن هيأ جميع القبائل الصحراوية عن طريق مريدي الطريقة الشيخية المنتشرين عبر كل المنطقة, ومنها قبائل الطرافي و رزاينة والأحرار و فرندة و تيارت ,وقد وجدت هذه الدعوة صداها لدى قبائل عمور و حميان و الشعامبة ,وقد استطاع الشيخ بوعمامة في وقت قصير أن يجمع حوالي ألفان وثلاثمائة جندي بين فرسان و مشاة .لقد وقعت أول مواجهة عسكرية بين الشيخ بوعمامة و القوات الفرنسية في 27 أفريل 1881 بالمكان المسمى سفيسيفة جنوب عين الصفراء ,أسفرت عن انهزام الجيش الفرنسي واستشهاد بعض رجال الشيخ بوعمامة منهم وقائد المعاليف قائد الرزاينة.وأمام خطورة الوضع سارعت السلطات الاستعمارية إلى إرسال قوات إضافية إلى المنطقة لقمع الثورة والقضاء عليها وتمثل المدد الذي وصل إلى المنطقة فيما يلي: - ثلاث فيالق من المشاة تحت قيادة العقيد إينوسانتي . - فرقتين يقودهما القايد قدور ولد عدة . - فرقة تيارت يقودها الحاج قدور الصحراوي. - قافلة من ألفين وخمسمائة جمل ومعها ستمائة جزائري . - قائد الشعبة العسكرية لمعسكر الجنرال كولينو دانسي هو الذي تولى القيادة العامة لهذه القوة العسكرية. أما المواجهة العسكرية الثانية بين الطرفين الجزائري والفرنسي كانت في 19 ماي 1881 بالمكان المسمى المويلك وتقع قرب قصور الشلالة بجبال القصور ,وكانت معارك عنيفة جدا اشتد فيها القتال بين الطرفين وكان النصر فيها حليف الشيخ بوعمامة رغم تفوق العدو في العتاد والعدة .وحسب تقارير الفرنسيين أنفسهم فإن هذه المعركة خلفت خسائر لكلا الطرفين ,وقد قدرت خسائر الفرنسيين فيها ستون قتيل واثنان وعشرون جريحا.وبعد هذه المعركة ظل الشيخ بوعمامة سيد الموقف ,حيث توجه إلى الأبيض سيدي الشيخ مما ساعد الثوار في هذه الفترة على قطع خطوط التلغراف الرابط بين فرندة والبيض ومهاجمة مراكز الشركة الفرنسية الجزائرية للحلفاء,وقد قتل العديد من عمالها الإسبان مما دفع بالسلطات الفرنسية إلى اتخاذ اجراءات لحماية مصالحها منها تجميع أربعة طوابير قويةفي النقاط التالية: - فرقة راس الماء أسندت مهمتها إلى العقيد جانين. - فرقة بخيثر بقيادة العقيد زويني . - فرقة تيارت وأسندت مهمتها إلى العقيد برونوسيار. - فرقة البيض وكانت بقيادة العقيد تاديو ثم العقيد نيغريي. ولمواجهة انتصارات الشيخ بوعمامة المتتالية قامت السلطات الفرنسية بتحركات سريعة تمثلت في إرسال قواتها نحو الجنوب الغربي من أجل تطويق الثورة والقضاء عليها وبالتالي تتوسع في المنطقة وتبسط نفوذها على كل قصور الجنوب الوهراني. لقد تم تكليف العقيد نيغريي بمهمة معاقبة القبائل التي شاركت مع الشيخ بوعمامة في الثورة وكانت البداية بنسف زاوية سيدي الشيخ الكبير المتواجدة بالبيض سيدي الشيخ,تلتها المجازر الرهيبة التي قام بها جيش الاحتلال في حق السكان العزل من أهالي الطرافي والربوات بمنطقة البيض انتقاما لمشاركتهم في الثورة ,ونفس الجرائم ارتكبت ضد سكان الشلالة الظهرانية ,و في الأبيض سيدي الشيخ ارتكبت أعمال شنيعة على يد السفاح نيغريي في 15أوت 1881 الذي قام بتفجير قبة سيدي الشيخ ونبش قبره وهو استهزاء بالجوانب الروحية للشعب الجزائري وعاداته وتقاليده.ومابين سبتمبر وأكتوبر عام1881 تعرضت القوات الفرنسية بقيادة كل من الجنرال كولونيو والجنرال لويس إلى هجومات المجاهدين قرب عين الصفراء نتج عنها سقوط العديد من القتلى والجرحى بين الطرفين ,كذلك قام السفاح لويس بتحطيم القصرين اللذين كان يمتلكهما الشيخ بوعمامة وهما قصر مغرار الفوقاني وقصر مغرار التحتاني,كما دمرت زاوية الشيخ بوعمامة أيضا وقتل العديد من السكان العزل. ومن التطورات الهامة التي حصلت خلال هذه الفترة كذلك هو التحاق الشيخ سي سليمان بن حمزة زعيم أولاد سيدي الشيخ الغرابة إلى ثورة بوعمامة على رأس ثلاثمائة فارس ,واتجه مع قوته إلى جنوب غرب عين الصفراء ومنها إلى منطقة البكاكرة للضغط على القبائل الموالية للاستعمار الفرنسي. أمام تزايد القوات الاستعمارية وتوافد الدعم لها من كل منطقة ازداد الضغط علىالشيخ بوعمامة فاضطر إلى الانسحاب متجها إلى منطقة فقيق بالمغرب الأقصى ,حيث قل نشاطه وتفرق أتباعه وأنصاره ,وقد انضم البعض منهم إلى السي قدور بن حمزة زعيم أولاد سيدي الشيخ الشراقة ,أما البعض الآخر فقد انضم إلى صفوف الشيخ سي سليمان بن حمزة قائد أولاد سيدي الشيخ الغرابة ,وباقي المجاهدين فقد مكثوا بمنطقة فقيق وضواحيها. وفي 16 أفريل 1882 لاحقت قوات الاحتلال الشيخ بوعمامة في الأراضي المغربية ,لكنه رد عليها بهجوم عنيف في شط تيغري كبد العدو خسائر فادحة في الأرواح وأجبره على الانسحاب .لقد كان لهذه الهزيمة وقع كبير في الأوساط العسكرية الفرنسية ,وزادت من جهة أخرى الثورة صمودا وتحديا وأثبتت تفوقها مرة أخرى على القوات الفرنسية .
المرحلة الثانية:
عرفت مقاومة الشيخ بوعمامة خلال هذه المرحلة فتورا ملحوظا بعد استقرار في مسقط رأسه الحمام الفوقاني بفقيق التي وصلها في جويلية 1883, حتى يتمكن من تنظيم صفوفه للمستقبل ,وهذا ماجعل السلطات الاستعمارية تتخوف من تحركاته الكثيفة لذا سارعت في إرسال برقية موقعة من طرف الجنرال سوسيي قائد الفيلق التاسع عشر إلى حكومته في باريس يدعوها إلى الضغط على السلطان المغربي لطرد الشيخ بوعمامة من الأراضي المغربية لأنه يشكل خطرا على المصالح الفرنسية في المنطقة .هذا التحرك دفع الشيخ بوعمامة إلى مغادرة المنطقة ,ولجوئه إلى إقليم توات واحتمى بسكان واحة دلدول مع نهاية عام1883 ,واستقر هناك إلى غاية عام 1894 حيث أسس زاوية له وشرع في تنظيم الدروس الدينية لمواصلة الجهاد ووقف زحف التوسع الاستعماري في الجنوب الغربي ,حيث قام بمراسلة مختلف شيوخ القبائل الصحراوية لإعلان الجهاد ضد الكفار ومقاومتهم .كماكان لهذا النشاط صدى واسعا بين القبائل الصحراوية ,خاصة قبائل التوارق الذين اقترحوا عليه الانتقال إليهم ليتعاونوا في الجهاد ضد العدو الفرنسي ,كما آزرته وانضمت إليه بعض القبائل المقيمة على الحدود الجزائرية- المغربية .لقد حاول الاستعمار الفرنسي خنق الثورة من كل الجهات وبكل الوسائل والتوسع في الجنوب وذلك عن طريق إقامة المؤسسات الاقتصادية وإنشاء المراكز التجارية في كل من إقليم توات وتاديكالت .
المرحلة الثالثة:
تعتبر هذه المرحلة بداية النهاية ,ففي خضم هذه الأحداث استطاع الشيخ بوعمامة أن يكسب العديد من الأنصار ويحضى بثقة سكان المناطق الصحراوية ,وهذا ما جعل السلطات الاستعمارية تفكر في استمالته بكل الوسائل فقامت بالاتصال عن طريق المفوضية الفرنسية بمدينة طنجة المغربية عام 1892 للتفاوض حول قضية الأمان التي انتهت بدون نتيجة . إن الصلات الودية والطيبة التي كانت بين الشيخ بوعمامة والسلطات المغربية أثارت قلق وتخوف السلطات الاستعمارية الفرنسية ,خاصة بعد الاعتراف به زعيما لقبائل أولاد سيدي الشيخ ومشرفا على كل المناطق الصحراوية مما دفعها مرة أخرى إلى محاولة كسب وده لتسهيل مهمتها في التوسع وبسط نفوذها على المناطق الصحراوية ,لذلك قرر الوالي العام لافريار في 16 أكتوبر 1899 منح الشيخ بوعمامة الأمان التام دون قيد أو شرط.ومع مطلع القرن العشرين دخل الشيخ بوعمامة المغرب الأقصى واستقر في منطقة وجدة , الأمر الذي جعل السلطات الفرنسية في الجزائر تتنفس الصعداء بتخلصها من أحد أشد أعدائها مقاومة .إن السنوات التي خاضها الشيخ بوعمامة في الجهاد عرقلت بشكل كبير التوسع الاستعماري في أقصى الصحراء خاصة الناحية الغربية منها ,رغم الحصار الكبير الذي حاولت السلطات الاستعمارية فرضه على المقاومة بقيادة الجنرال ليوتي .
المرحلة الثانية:
عرفت مقاومة الشيخ بوعمامة خلال هذه المرحلة فتورا ملحوظا بعد استقرار في مسقط رأسه الحمام الفوقاني بفقيق التي وصلها في جويلية 1883, حتى يتمكن من تنظيم صفوفه للمستقبل ,وهذا ماجعل السلطات الاستعمارية تتخوف من تحركاته الكثيفة لذا سارعت في إرسال برقية موقعة من طرف الجنرال سوسيي قائد الفيلق التاسع عشر إلى حكومته في باريس يدعوها إلى الضغط على السلطان المغربي لطرد الشيخ بوعمامة من الأراضي المغربية لأنه يشكل خطرا على المصالح الفرنسية في المنطقة .هذا التحرك دفع الشيخ بوعمامة إلى مغادرة المنطقة ,ولجوئه إلى إقليم توات واحتمى بسكان واحة دلدول مع نهاية عام1883 ,واستقر هناك إلى غاية عام 1894 حيث أسس زاوية له وشرع في تنظيم الدروس الدينية لمواصلة الجهاد ووقف زحف التوسع الاستعماري في الجنوب الغربي ,حيث قام بمراسلة مختلف شيوخ القبائل الصحراوية لإعلان الجهاد ضد الكفار ومقاومتهم .كماكان لهذا النشاط صدى واسعا بين القبائل الصحراوية ,خاصة قبائل التوارق الذين اقترحوا عليه الانتقال إليهم ليتعاونوا في الجهاد ضد العدو الفرنسي ,كما آزرته وانضمت إليه بعض القبائل المقيمة على الحدود الجزائرية- المغربية .لقد حاول الاستعمار الفرنسي خنق الثورة من كل الجهات وبكل الوسائل والتوسع في الجنوب وذلك عن طريق إقامة المؤسسات الاقتصادية وإنشاء المراكز التجارية في كل من إقليم توات وتاديكالت .
نتائج مقاومة الشيخ بوعمامة :
تمثلت هذه النتائج فيما يلي:
1- كانت ثورة الشيخ بوعمامة تحديا كبيرا لسياسة الجمهورية الثالثة ,والتي كانت ترمي إلى إتمام عمليات الاحتلال الشامل للجزائر ,واستطاعت أن تعطل وتعرقل المشاريع الفرنسية في الجنوب الغربي.
2- تمثل ثورة الشيخ بوعمامة المرحلة النهائية من استراتيجية الزعامات الوطنية في مواجهة الاستعمار الفرنسي عن طريق المقاومات الشعبية التي تعتمد أساسا على العامل الديني في تعبئة الجزائريين لمقاومة الاحتلال.
3- تعتبر ثورة الشيخ بوعمامة من أعنف المقاومات الشعبية خلال القرن التاسع عشر بعد مقاومة الأمير عبد القادر.
4- كشفت ثورة بوعمامة ضعف الفرنسيين في مواجهة المقاومة مما جعلها تبحث عن الحلول السياسية لإخماد نار الثورة خصوصا مع المرحلة الثانية 1883 -1892 حين ظهرت قضية الأمان الذي كانت تبحث عنه السلطات الفرنسية من بوعمامة الذي رفضه من خلال المراسلات و المفاوضات التي كانت تسعى إليها فرنسا.
5- الخسائر البشرية والمادية هي الأخرى كانت من أبرز النتائج التي تمخضت عن الثورة
6- عجلت الثورة بإتمام مشاريع السكك الحديدية في المنطقة وربط الشمال بالجنوب.
7- إن مقاومة الشيخ بوعمامة حتى وإن لم تحقق أهدافها في طرد الاستعمار من المنطقة بسبب العقبات التي اعترضتها منها على وجه التحديد عدم التمكن من توحيد فرعي أولاد سيدي الشيخ وكذلك ضغوط السلطان المغربي عبد العزيز على الثورة وحصرها في الحدود ,إلا أنها أثبتت قدرتها على المقاومة وطول النفس وعرقلة التوسع في المنطقة .
تعليقات
إرسال تعليق